فصل: (لا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.(لا):

على ستة أوجه:
أحدهما: أَنْ تَكُونَ لِلنَّفْيِ وَتَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ.
فَالدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ تَكُونُ عَامِلَةً وَغَيْرَ عَامِلَةٍ.
فَالْعَامِلَةُ قِسْمَانِ:
تَارَةً تَعْمَلُ عَمَلَ إِنَّ وَهِيَ النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ وَهِيَ تَنْفِي مَا أَوْجَبَتْهُ إِنَّ فَلِذَلِكَ تُشَبَّهُ بِهَا فِي الْأَعْمَالِ نَحْوُ: {لَا تثريب عليكم}، {لا مقام لكم} {لا جرم أن لهم النار}.
وَيَكْثُرُ حَذْفُ خَبَرِهَا إِذَا عُلِمَ نَحْوُ: {لَا ضير} {فلا فوت} وَتَارَةً تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ.
وَزَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْمُفَصَّلِ أَنَّهَا غَيْرُ عَامِلَةٍ.
وَكَذَا قَالَ الْحَرِيرِيُّ فِي الدُّرَّةِ إِنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا لِنَفْيِ الْوَحْدَةِ.
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ مِنْهُ الْعُمُومَ كَمَا فِي النَّصْبِ وَعَلَيْهِ قَالَ لَا نَاقَةَ لِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلَ يَعْنِي فَإِنَّهُ نَفْيُ الْجِنْسِ لَمَّا عُطِفَ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ وَلَا امْرَأَةَ تُفِيدُ نَفْيَ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْعَطْفَ أَفْهَمُ لِلْعُمُومِ.
وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي الْمُحَصَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ}.
قُرِئَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِيهِمَا وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: مَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْفَهْمِ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْهُ كَمَا فِي الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفَتْحِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَبْنِيَّةُ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إِمَّا لِكَوْنِهِ نَصًّا أَوْ لِكَوْنِهِ أَقْوَى ظُهُورًا وَسَبَبُ الْعُمُومِ أَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي التُّحْفَةِ: قد تكون المشبه بـ: (ليس) نَافِيَةً لِلْجِنْسِ وَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ إِرَادَةِ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ بِالْقَرَائِنِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَامِلَةِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْعَامِلَةِ فَيُرْفَعُ الِاسْمُ بَعْدَهَا بِالِابْتِدَاءِ إِذَا لَمْ يُرَدْ نَفْيُ الْعُمُومِ وَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ ثُمَّ تَارَةً تَكُونُ نَكِرَةً كَقَوْلِهِ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ ولا هم عنها ينزفون} {لا بيع فيه ولا خلال}.
وَتَارَةً تَكُونُ مَعْرِفَةً كَقَوْلِهِ: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لها أن تدرك القمر} وَلِذَلِكَ يَجِبُ تَكْرَارُهَا إِذَا وَلِيَهَا نَعْتٌ نَحْوُ: {زيتونة لا شرقية ولا غربية}.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تسقي الحرث} فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تُكَرِّرْهَا وَقَدْ أَوْجَبُوا تَكْرَارَهَا فِي الصِّفَاتِ؟
وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمَعْنَى وَالتَّقْدِيرُ لَا تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا سَاقِيَةٌ لِلْحَرْثِ أَيْ لَا تُثِيرُ وَلَا تسقي.
وَقَالَ الرَّاغِبُ: هِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَدْخُلُ فِي الْمُتَضَادَّيْنِ وَيُرَادُ بِهَا إِثْبَاتُ الْأَمْرَيْنِ بِهِمَا جَمِيعًا نَحْوُ زَيْدٌ لَيْسَ بِمُقِيمٍ وَلَا ظَاعِنٍ أَيْ تَارَةً يَكُونُ كَذَا وَتَارَةً يَكُونُ كَذَا وَقَدْ يُرَادُ إِثْبَاتُ حَالَةٍ بَيْنَهُمَا نَحْوُ زَيْدٌ لَيْسَ بِأَبْيَضَ وَلَا أَسْوَدَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا شرقية ولا غربية}.
قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ.
وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَصُونَةٌ عَنِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ وَأَمَّا الدَّاخِلَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَتَارَةً تَكُونُ لِنَفْيِ الْأَفْعَالِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَقَوْلِهِ تعالى: {إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم} لِأَنَّهُ جَزَاءٌ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مُسْتَقْبَلًا وَمِثْلُهُ: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا ينصرونهم}.
وَقَدْ يُنْفَى الْمُضَارِعُ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ الدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السماوات ولا في الأرض}.
وقد يكون للحال كقوله: {لا أقسم بيوم القيامة} {فلا أقسم برب المشارق} {فلا أقسم بمواقع النجوم} {فلا وربك لا يؤمنون} وقوله: {وما لكم لا تقاتلون} يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مالكم غَيْرُ مُقَاتِلِينَ.
وَقِيلَ: يُنْفَى بِهَا الْحَاضِرُ عَلَى التشبيه بـ: (ما) كَقَوْلِكَ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ زَيْدٌ يَكْتُبُ الْآنَ لَا يَكْتُبُ.
وَالنَّفْيُ بِهَا يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْمُتَكَلِّمِ نَحْوُ لَا أَخْرُجُ الْيَوْمَ وَلَا أُسَافِرُ غَدًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قل لا أسألكم عليه أجرا}.
وَفِعْلُ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِكَ: إِنَّكَ لَا تَزُورُنَا وَمِنْهُ قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى}، {فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}.
وَتَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي فِي الْقَسَمِ وَالدُّعَاءِ نَحْوُ وَاللَّهِ لَا صَلَّيْتَ وَنَحْوَ لَا ضَاقَ صَدْرُكَ.
وَفِي غَيْرِهَا نَحْوُ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}.
وَالْأَكْثَرُ تَكْرَارُهَا وَقَدْ جَاءَتْ غَيْرَ مُكَرَّرَةٍ فِي قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَكِنَّهَا مُكَرَّرَةٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ اقْتِحَامَ الْعَقَبَةِ بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّهُ دُعَاءٌ أَيْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُدْعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَفْعَلَ خَيْرًا. وَقَدْ يُرَادُ الدُّعَاءُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي كَقَوْلِكَ لَا فَضَّ اللَّهُ فَاكَ وَقَوْلِهِ لَا يَبْعَدَنْ قَوْمِي.
الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ لِلنَّهْيِ يُنْهَى بِهَا الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ نَحْوُ لَا تَقُمْ وَلَا يَقُمْ وَقَالَ تَعَالَى: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المؤمنين} {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلا أن يشاء الله} {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا} {لا يسخر قوم من قوم} {ولا تنابزوا بالألقاب} {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} {لا يحطمنكم سليمان}.
وتخلص المضارع للاستقبال نحو: {لا تخافي ولا تحزني} وَتَرِدُ لِلدُّعَاءِ نَحْوُ: {لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أو أخطأنا}.
وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا الطَّلَبِيَّةُ لِيَشْمَلَ النَّهْيَ وَغَيْرَهُ.
وَقَدْ تَحْتَمِلُ النَّفْيَ وَالنَّهْيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ألا تعبدوا إلا الله} {وما لكم لا تقاتلون}.
الثَّالِثَةُ: أَنْ تَكُونَ جَوَابِيَّةً أَيْ رَدٌّ فِي الجواب مناقض لـ: (نعم) أَوْ بَلَى فَإِذَا قَالَ مُقَرِّرًا أَلَمْ أُحْسِنْ إِلَيْكَ؟ قُلْتَ: لَا أَوْ بَلَى وَإِذَا قَالَ: مُسْتَفْهِمًا هَلْ زَيْدٌ عِنْدَكَ قُلْتَ لَا أَوْ نَعَمْ قَالَ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نعم}.
الرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى لَمْ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِالدُّخُولِ عَلَى الْمَاضِي نَحْوُ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صلى} أَيْ لَمْ يُصَدِّقْ وَلَمْ يُصَلِّ.
وَمِثْلُهُ: {فَلَا اقتحم العقبة}.
الْخَامِسَةُ: أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً تُشْرِكُ مَا بَعْدَهَا فِي إِعْرَابِ مَا قَبْلَهَا وَتَعْطِفُ بَعْدَ الْإِيجَابِ نَحْوُ يَقُومُ زَيْدٌ لَا عَمْرٌو وَبَعْدَ الْأَمْرِ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا لَا عُمْرًا وَتَنْفِي عَنِ الثَّانِي مَا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ نَحْوُ خَرَجَ زَيْدٌ لَا بَكْرٌ.
فَإِنْ قُلْتَ: مَا قَامَ زَيْدٌ وَلَا بَكْرٌ فَالْعَطْفُ لِلْوَاوِ دُونَهَا لِأَنَّهَا أُمُّ حُرُوفِ الْعَطْفِ.
السَّادِسَةُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً فِي مَوَاضِعَ:
الْأَوَّلُ: بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ النَّفْيُ أَوِ النَّهْيُ فَتَجِيءُ مُؤَكِّدَةً لَهُ كَقَوْلِكَ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وما أموالكم ولا أولادكم}.
{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ ولا وصيلة ولا حام}.
وقوله: {ولا الضالين}.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَقِيلَ: إِنَّمَا دَخَلَتْ هُنَا مُزِيلَةً لِتَوَهُّمِ أَنَّ الضَّالِّينَ هُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ والعرب تنعت الواو وَتَقُولُ مَرَرْتُ بِالظَّرِيفِ وَالْعَاقِلِ فَدَخَلَتْ لِإِزَالَةِ التَّوَهُّمِ.
وَقِيلَ: لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفُ الضَّالِّينَ عَلَى الَّذِينَ.
وَمِثَالُ النَّهْيِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا القلائد} فـ: (لا) زَائِدَةٌ وَلَيْسَتْ بِعَاطِفَةٍ لِأَنَّهَا إِنَّمَا يُعْطَفُ بِهَا فِي غَيْرِ النَّهْيِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ هُنَا لِنَفْيِ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ نَفْيَ مَجِيئِهَا جَمِيعًا تَأْكِيدًا لِلظَّاهِرِ مِنَ اللَّفْظِ وَنَفْيًا لِلِاحْتِمَالِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ النَّفْيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا نَصًّا وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِـ: (لَا) لَجَازَ أن يكون النفي عنها عَلَى جِهَةِ الِاجْتِمَاعِ وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلِذَلِكَ كَانَ يَقُولُ بِبَقَاءِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى لِبَقَاءِ الْكَلَامِ بِإِثْبَاتِهَا عَلَى حَالَةٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ عِنْدَ مَجِيئِهَا أَقْوَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السيئة}.
فَمَنْ قَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَسَنَةَ لَا تُسَاوِي السَّيِّئَةَ فَـ: (لَا) عِنْدَهُ زَائِدَةٌ وَمَنْ قَالَ أَنَّ جِنْسَ الْحَسَنَةِ لَا يَسْتَوِي إِفْرَادُهُ وَجِنْسَ السَّيِّئَةِ لَا يَسْتَوِي إِفْرَادُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ الْآيَةِ فَلَيْسَتْ زَائِدَةً وَالْوَاوُ عَاطِفَةٌ جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا مَزِيدُ كَلَامٍ فِي بَحْثِ الزِّيَادَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يستوي الأعمى والبصير}.
الْآيَةَ فَالْأُولَى وَالثَّانِيَةُ غَيْرُ زَائِدَةٍ وَالثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ والخامسة زائدة.
وقال: ابن الشجري قد تجيء مؤكدة النفي فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات ولا المسيء}.
لأنك لا تَقُولُ مَا يَسْتَوِي زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو وَلَا تَقُولُ مَا يَسْتَوِي زَيْدٌ فَتَقْتَصِرُ عَلَى وَاحِدٍ.
وَمِثْلُهُ: {وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ ولا الحرور} {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا هَاهُنَا صِلَةٌ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَالْمَعْنَى وَلَا الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ حَتَّى تَقَعَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ}.
وَلَوْ قُلْتَ: مَا يَسْتَوِي زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو لَمْ يَجُزْ إِلَّا عَلَى زِيَادَةِ لَا.
الثَّانِي: بَعْدَ أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ النَّاصِبَةِ لِلْفِعْلِ الْمُضَارِعِ كَقَوْلِهِ تعالى: {ما منعك ألا تسجد}.
وَقِيلَ إِنَّمَا زِيدَتْ تَوْكِيدًا لِلنَّفْيِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ {مَنَعَكَ} بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى: {مَا مَنَعَكَ ألا تسجد}.
وَقَالَ ابْنُ السِّيدِ: إِنَّمَا دَخَلَتْ لِمَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى الْمَنْعِ لَا يَحْتَمِلُ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الشَّيْءِ بِأَمْرِ الْمَمْنُوعِ بِأَلَّا يَفْعَلَ مَهْمَا كَانَ الْمَنْعُ فِي تَأْوِيلِ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَالْحَمْلُ عَلَى تَرْكِهِ أَجْرَاهُ مَجْرَاهَا.
وَمِنْ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}. أي لئن لم لِأَنَّ الْمَعْنَى يَتِمُّ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: لَيْسَتْ زَائِدَةً وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا.
وَهَذَا كَمَا تَكُونُ مَحْذُوفَةً لَفْظًا مُرَادَةً مَعْنًى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أن تضلوا}. الْمَعْنَى أَلَّا تَضِلُّوا لِأَنَّ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَقَعُ لِأَجْلِ أَلَّا تَضِلُّوا.
وَقِيلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا.
وَأَمَّا السِّيرَافِيُّ فَجَعَلَهَا عَلَى بَابِهَا حَيْثُ جَاءَتْ زَعَمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا لِأَمْرٍ مَا قَدْ يَكُونُ فَعَلَهُ لِضِدِّهِ فَإِذَا قُلْتَ جِئْتُ لِقِيَامِ زَيْدٍ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَجِيءَ وَقَعَ لِأَجْلِ الْقِيَامِ وَهَلْ هُوَ لِأَنْ يَقَعَ أَوْ لِئَلَّا يَقَعَ مُحْتَمَلٌ فَمَنْ جَاءَ لِلْقِيَامِ فَقَدْ جَاءَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ وَمَنْ جَاءَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ فَقَدْ جَاءَ لِلْقِيَامِ بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا نَصَصْتَ عَلَى مَقْصُودِكَ فَقُلْتَ جِئْتُ لِأَنْ يَقَعَ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ يَقَعَ فَقَدْ جِئْتَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ أَيْ لِأَنْ يَقَعَ عَدَمُ الْقِيَامِ وَهُوَ أَعْنِي عَدَمَ الْوُقُوعِ طَلَبُ وُقُوعِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: وَقَصْدِي أَلَّا يَقَعَ الْقِيَامُ وَلِهَذَا جِئْتُ فَقَدْ جِئْتَ لِأَنَ يَقَعَ عَدَمُ الْقِيَامِ فَيُتَصَوَّرُ أَنْ تَقُولَ جِئْتُ للقيام تعني بِهِ عَدَمَ الْقِيَامِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُبَيِّنُ الله لكم أن تضلوا} أَيْ يُبَيِّنُ الضَّلَالَ أَيْ لِأَجْلِ الضَّلَالِ يَقَعُ الْبَيَانُ: هَلْ هُوَ لِوُقُوعِهِ أَوْ عَدَمِهِ؟ الْمَعْنَى يبين ذلك.
وكذلك قوله تعالى: {لئلا يعلم}. أَيْ فَعَلَ اللَّهُ هَذَا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ هَلْ وَقَعَ أَمْ لَا؟
وَإِذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَقَوْلُهُ: {لِئَلَّا يَعْلَمَ} بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ.
الثَّالِثُ: قَبْلَ قَسَمٍ كَقَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
الْمَعْنَى أُقْسِمُ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ: {لَأُقْسِمُ} وهي قراء قَوِيمَةٌ لَا يُضْعِفُهَا عَدَمُ نُونِ التَّوْكِيدِ مَعَ اللام لأن المراد بأقسم فِعْلُ الْحَالِ وَلَا تَلْزَمُ النُّونُ مَعَ اللَّامِ.
وَقِيلَ: إِنَّهَا غَيْرُ زَائِدَةٍ بَلْ هِيَ نَافِيَةٌ.
وَقِيلَ: عَلَى بَابِهَا وَنَفَى بِهَا كَلَامًا تَقَدَّمَ مِنْهُمْ كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ مِنْ إِنْكَارِ الْقِيَامَةِ فَـ: {لَا أُقْسِمُ} جَوَابٌ لِمَا حُكِيَ مِنْ جَحْدِهِمُ الْبَعْثَ كَمَا كَانَ قوله: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}.
جوابا لقوله: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}.
لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَجْرِي مَجْرَى السُّورَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْإِلْغَاءَ وَكَوْنُهَا صَدْرَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي الِاعْتِنَاءَ بِهَا وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ.
قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَلَيْسَتْ (لَا) فِي قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم}. وقوله: {فلا أقسم برب المشارق}. وَنَحْوِهِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ لِمَجِيئِهَا بَعْدَ الْفَاءِ.
وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ كَلِمَةً عَلَى كَلِمَةٍ تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا بِمَنْزِلَتِهَا فِي: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}.
فَهِيَ إِذَنْ زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ.
وَأَجَازَ الْخَارْزَنْجِيُّ فِي: {لا أقسم بيوم الْقِيَامَةِ}.
كَوْنَ لَا فِيهِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَبَقِيَتْ لَا.
وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَا فِي قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون}.
مَزِيدَةً لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْقَسَمِ كَمَا زِيدَتْ فِي: {لئلا يعلم} لتأكيد وجوب العلم، {لَا يُؤْمِنُونَ} جَوَابُ الْقَسَمِ ثُمَّ قَالَ:
فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا زَعَمْتَ أَنَّهَا زِيدَتْ لِتَظَاهُرِ لَا فِي: {لَا يُؤْمِنُونَ} وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِوَاءُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِيهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إنه لقول رسول كريم} انْتَهَى.
وَقَدْ يُقَالُ: هَبْ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي آيَةِ الْوَاقِعَةِ فَمَا الْمَانِعُ مَنْ تَأَتِّيهِ فِي النِّسَاءِ؟ إِلَّا أَنْ يُقَالَ اسْتَقَرَّ بِآيَةِ الْوَاقِعَةِ أَنَّهَا تُزَادُ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْقَسَمِ فَقَطْ وَلَمْ يَثْبُتْ زِيَادَتُهَا مُتَظَاهِرَةً لَهَا فِي الْجَوَابِ.
السَّابِعَةُ: تَكُونُ اسْمًا فِي قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ نَقْلَهُ عَنْهُمْ.
وَقِيلَ: إِنَّ مَا قَالُوهُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى نَكِرَةٍ وَكَانَ حَرْفُ الْجَرِّ دَاخِلًا عَلَيْهَا نَحْوُ غَضِبْتُ مِنْ لَا شَيْءٍ وَجِئْتُ بِلَا مَالٍ وَجَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ غَيْرَ.
وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ جَعَلُوا لَا بِمَعْنَى غَيْرٍ.
لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِيهَا الْإِعْرَابُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِعْرَابُهَا عَلَى مَا هُوَ مِنْ تَتِمَّتِهَا وَهُوَ مَا بَعْدَهَا كَقَوْلِكَ جَاءَنِي رَجُلٌ لَا عَالِمٌ وَلَا عَاقِلٌ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا فَارِضٌ ولا بكر} {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ}.
وقوله: {لا مقطوعة ولا ممنوعة}.